علماء العرب
تعريف إبن بطلان :
- هو الطبيب والفيلسوف أبو أنيس المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان، ولد في بغداد بالعراق، توفي بعد ( 1063م / 455 هـ )، ودرس على أبي الفرج بن الطيب وتتلمذ له، ولازم أبا الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني الطبيب، وكان معاصرا لعلي بن رضوان الطبيب المصري، وكان بينهما مجادلات ومناقضات قبل أن يتعارفا، وخرج بن بطلان من بغداد إلى الموصل وديار بكر ودخل حلب وأقام فيها مدة، فأكرمه صاحبها معز الدولة ثمال بن صالح إكراما صحيحا، ثم تركها إلى مصر وغايته الإجتماع بخصمه إبن رضوان، وكان دخوله الفسطاط في أول جمادى الآخرة سنة ( 441 هـ )، وأقام بها ثلاث سنين جرت له في أثناءها مع إبن رضوان وقائع كثيرة ولدت رسائل جدلية، وترك إبن بطلان مصر مغضبا، وألف في إبن رضوان رسالة مشهورة، وسار إلى القسطنطينية، وكان الطاعون متفشيا فيها سنة ( 446 هـ )، فأقام بها سنة ثم إنتقل إلى إنطاكية وأستقر فيها، وسئم الأسفار فترهب وتنسك في أحد أديرة إنطاكية حتى وفاته...
المصنفات الطبية إبن بطلان :
- ترك إبن بطلان عددا كبيرا من المصنفات الطبية أهمها،
1- تقويم الصحة، الذي ترجم إلى اللاتينية سنة ( 1531م ) وطبع،
2- مقامة دعوة الأطباء،
3- مقالة في شرب الدواء المسهل،
4- مقالة في كيفية دخول الغذاء في البدن وهضمه وخروج فضلاته،
5- كتاب المدخل إلى الطب،
6- كتاب عمدة الطبيب في معرفة النبات.
- ولإبن بطلان مقالة في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد، كالفالج واللقوة والإسترخاء...
مقتطفات عن سيرة إبن بطلان :
- ذكره إبن أبي أصيبعة في ( عيون الأنباء في طبقات الأطباء )، هو أبو الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان، نصراني من أهل بغداد، وكان قد إشتغل على أبي الفرج عبد الله بن الطيب وتتلمذ له، وأتقن عليه قرائة كثير من الكتب الحكمية وغيرها، ولازم أيضا أبا الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني الطبيب، وإشتغل عليه وإنتفع به في صناعة الطب وفي مزاولة أعمالها، وكان إبن بطلان معاصرا لعلي بن رضوان الطبيب المصري، وكانت بين إبن بطلان وإبن رضوان المراسلات العجيبة والكتب البديعة الغربية، ولم يكن أحد منهم يؤلف كتابا ولا يبتدع رأيا إلا ويرد الآخرعليه، ويسفه رأيه فيه، وقد رأيت أشياء من المراسلات التي كانت فيما بينهم، ووقائع بعضهم في بعض، وسافر إبن بطلان من بغداد إلى ديار مصر قصدا منه إلى مشاهدة علي بن رضوان والإجتماع به، وكان سفره من بغداد في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، ولما وصل في طريقه إلى حلب أقام بها مدة وأحسن إليه معز الدولة ثمال بن صالح بها وأكرمه إكراما كثيرا، وكان دخوله الفسطاط في مستهل جمادى الآخرة من سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وأقام بها ثلاث سنين، وذلك في دولة المستنص بالله من الخلفاء المصريين، وجرت بين إبن بطلان وإبن رضوان وقائع كثيرة في ذلك الوقت، ونوادر ظريفة لا تخلو من فائدة، وقد تضمن كثيرا من هذه الأشياء كتاب ألفه إبن بطلان بعد خروجه من ديار مصر وإجتماعه بإبن رضوان، ولإبن رضوان كتاب في الرد عليه، وكان إبن بطلان أعذب ألفاظا وأكثر ظرفا وأميز في الأدب وما يتعلق به، ومما يدل على ذلك ما ذكره في رسالته التي وسمها دعوة الأطباء وكان إبن رضوان أطب وأعلم بالعلوم الحكمية وما يتعلق بها، وكان إبن رضوان أسود اللون ولم يكن بجميل الصورة، وله مقالة في ذلك يرد فيها على غيره بقبح الخلقة، وقد بين فيها، بزعمه، أن الطبيب الفاضل لا يجب أن يكون وجهه جميلا، وكان إبن بطلان أكثرما يقع في علي بن رضوان من هذا القبيل وأشباهه، ولذلك يقول فيه في الرسالة التي وسمها دعوة الأطباء
فلما تبدى للقوابـل وجـهـه
نكصن على أعقابهن من الندم
وقلن وأخفين الكلام تسـتـرا
ألا ليتنا كنا تركناه في الرحم
- وكان يلقبه بتمساح الجن، وسافر إبن بطلان من ديار مصر إلى القسطنطينية وأقام بها سنة وعرضت في زمنه أوباء كثيرة، ونقلت من خطه فيما ذكره من ذلك ما هذا مثاله، قال ومن مشاهير الأوباء في زماننا الذي عرض عند طلوع الكوكب الأثاري في الجوزاء من سنة ست وأربعين وأربعمائة، فإن في تلك السنة دفن في كنيسة لوقا بعد أن إمتلأت جميع المدافن التي في القسطنطينية أربعة عشر ألف نسمة في الخريف، فلما توسط الصيف في سنة سبع وأربعين لم يوف النيل، فمات في الفسطاط والشام أكثر أهلها، وجميع الغرباء إلا ما شاء الله، وإنتقل الوباء إلى العراق فأتى عل أكثر أهله، وإستولى عليه الخراب بطروق العساكر المتعادية، وإتصل ذلك بها سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وعرض للناس في أكثر البلاد قروح سوداوية وأورام الطحال، وتغير ترتيب نوائب الحميات، وإضطرب نظام البحارين، فإختلف علم القضاء في تقدمة المعرفة، وقال أيضا بعد ذلك ولأن هذا الكوكب الأثاري طلع في برج الجوزاء وهو طالع مصر أوقع الوباء في الفسطاط بنقصان النيل في وقت ظهوره في سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وصح إنذار بطليموس القائل الويل لأهل مصر إذا طلع أحد ذوات الذوائب، وأنجهم في الجوزاء، ولما نزل زحل برج السرطان تكامل خراب العراق والموصل والجزيرة، وإختلت ديار بكر وربيعة ومضر وفارس وكرمان وبلاد المغرب واليمن والفسطاط والشام، وإضطربت أحوال ملوك الأرض، وكثرت الحروب والغلاء والوباء، وصح حكم بطليموس في قوله إن زحل والمريخ متى إقترنا في السرطان زلزل العالم، ونقلت أيضا من خط بن بطلان، فيما ذكره من الأوباء العظيمة العارضة للعلم بفقد العلماء في زمانه قال ما عرض في مدة بضع عشرة سنة بوفاة الأجل المرتضى والشيخ أبي الحسن البصري، والفقيه أبي الحسن القدوري، وأقضى القضاة الماوردي، وإبن الطيب الطبري، على جماعتهم رضوان الله، ومن أصحاب علوم القدماء أبو علي بن الهيثم وأبو سعيد اليمامي، وأبو علي بن السمح، وصاعد الطبيب وأبو الفرج عبد الله بن الطيب، ومن متقدمي علوم الأدب والكتابة علي بن عيسى الربعي، وأبو الفتح النيسابوري، ومهيار الشاعر، وأبو العلاء بن نزيك، وأبو علي بن موصلايا، والرئيس أبو الحسن الصابئ، وأبو العلاء المعري، فإنطفأت سرج العلم وبقيت العقول بعدهم في الظلمة، أقول ولإبن بطلان أشعار كثيرة ونوادر ظريفة، وقد ضمن منها أشياء في رسالته التي وسمها دعوة الأطباء وفي غيرها من كتبه، وتوفي إبن بطلان ولم يتخذ إمرأة، ولا خلف ولدا، ولذلك يقول من أبيات :
ولا أحد أن مت يبكـي لـمـيتـتـي
سوى مجلسي في الطب والكتب باكيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق